تركيا والاتحاد الأوروبي.. صفحة جديدة ولكن محدودة الآراء
وفي أول تطور عملي في علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي بعد أن ناقش الجانبان إمكانية إحياء مسار أنقرة الأوروبي، زار مفوض الاتحاد الأوروبي لسياسات الجوار والتوسع أوليفر فارهيلي أنقرة الأسبوع الماضي، في إشارة مباشرة وواضحة إلى أن الطرفين لقد فتحت صفحة جديدة في العلاقات.
مشية غير مستقرة
وفي خمسينيات القرن الماضي، قررت أنقرة بوضوح خياراتها للانضمام إلى الكتلة الغربية، مدفوعاً بالأساس بالخوف من أطماع الاتحاد السوفييتي السابق في أراضيه ومضائقه، وأصبحت عضواً في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في عام 1952. ومنذ أن وضعت أنقرة الأسس، الركائز الأولى لما أصبح فيما بعد الاتحاد الأوروبي، أرادت الانضمام ثم تقدمت بطلب رسمي للعضوية عام 1999، لكنها ظلت على قوائم الانتظار لسنوات عديدة لأسباب بعضها وجيه.
ومع حزب العدالة والتنمية جددت تركيا طلبها للانضمام إلى النادي الأوروبي، وبدأت عملية التفاوض عام 2005، وكانت العلاقات إيجابية في تلك المرحلة بين الحزبين. إلا أن الأثر العملي لذلك لم يكن كبيراً، حيث تم قبول فصل واحد فقط من المفاوضات الـ 35 في عملية الانضمام. ولطالما تعرقلت عضوية تركيا الكاملة في الاتحاد الأوروبي لأسباب سياسية واقتصادية وفنية كثيرة تتعلق بفصول التفاوض، وكانت تصطدم دائما بالفيتو الذي عارضته دول عدة -خاصة اليونان-.
وخلال السنوات القليلة الماضية، وخاصة بعد الانقلاب الفاشل في تركيا صيف 2016، تدهورت علاقات أنقرة مع بروكسل وأصبحت متوترة بشكل ملحوظ، وهو ما أثر أيضا على مسارها نحو الاتحاد، ووصل الأمر إلى حد لإعادته إلى مرحلة التقييم ما قبل التفاوض.
ومؤخراً، وخاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، تحسنت العلاقات بين الجانبين نسبياً، وسادت نظرة أكثر إيجابية في الغرب تجاه موقف أنقرة ودورها في الحرب من جهة، ومن جهة أخرى. ومن ناحية أخرى، تعرض النظام الأمني لمخاطر جديدة بعد الحرب.
وأمام الضغوط الغربية على تركيا لقبول عضوية فنلندا والسويد في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تذرع الرئيس التركي بما اعتبره ازدواجية المعايير فيما يتعلق بسجل بلاده في الاتحاد الأوروبي، مطالبا بإعادة تفعيل هذا المسار الذي أوحى باتفاق أو اتفاق. وكان قد تم التوصل إلى تفاهم ضمني بموافقة تركيا على عضوية البلدين، وعلى وجه الخصوص، تسريع السويد عملية انضمامها إلى الاتحاد.
ولا تزال العقبات التي واجهت انضمام تركيا إلى الاتحاد خلال العقود الماضية موجودة حتى اليوم، ولا سيما الرؤية الثقافية والهوية لتركيا من قبل الاتحاد وبعض أعضائه، والقدرة والنفوذ السياسي والاقتصادي المتوقع لأنقرة داخل المؤسسات. للاتحاد في حالة انضمامه إليه.
صفحة جديدة
وكانت زيارة فارهيلي إلى تركيا أول خطوة عملية بعد تصريحات أردوغان ورد بروكسل عليها، واعتبرت على نطاق واسع علامة على فتح صفحة جديدة بين الجانبين، خاصة أنه مفوض سياسات الجوار والتوسع الاتحادي. .
لكن تصريحات المسؤول الأوروبي في أنقرة لم تتطرق إلى مسألة عضوية تركيا في الاتحاد، وربما استبعدتها بشكل غير مباشر. علاوة على ذلك، تحدث رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، مؤخرا عن رؤية الاتحاد للتوسع وضم دول جديدة في السنوات المقبلة، قائلا إن الاتحاد وتلك الدول يجب أن تكون مستعدة لتكون أعضاء حتى عام 2030، أي أوكرانيا وبعض الدول الغربية. دول البلقان، ولكن ليس بما في ذلك تركيا.
وانتقد وزير الخارجية التركي هذا الرأي قائلا إن سياسة توسع الاتحاد الأوروبي تنبع من مخاوف جيوسياسية وإن الاتحاد لا يمكن أن يصبح لاعبا عالميا بالمعنى الحقيقي للكلمة بدون تركيا، وإن إبقاء بلادها خارج الاتحاد يعد “عملا استراتيجيا”. خطأ”، خاصة أنه يخدم المصالح السياسية لبعض الأعضاء بشكل عام. كما قال هو نفسه.
من جانبه، تحدث فارهيلي عن إمكانيات وآفاق العلاقات التركية الأوروبية، لكنه نفى مسألة العضوية، وشدد رداً على أحد الأسئلة على أن العودة إلى المفاوضات بشأن انضمام أنقرة إلى الاتحاد “تعتمد على التقدم”. يجري في مجال الديمقراطية.”
ولذلك، فإن جدول الزيارات، كما كان متوقعاً، كان مرتبطاً بشكل أساسي بالعلاقات الثنائية بين الطرفين، لا سيما فيما يتعلق بالاتحاد الجمركي وتأشيرة الشنغن للمواطنين الأتراك واللاجئين المقيمين على الأراضي التركية.
إن فكرة تطوير الاتحاد الجمركي، وبالتالي العلاقات التجارية بين الطرفين، ما زالت حاضرة بقوة وتحظى من حيث المبدأ بموافقة ورغبة الطرفين، مما يحقق مصلحة مشتركة لهما، وبالتالي ليس مستبعدا. بدء مسار الحوار في هذا الصدد.
وفيما يتعلق بتأشيرة شنغن للمواطنين الأتراك، فإن الصيغة التي اقترحها الاتحاد الأوروبي تحولت من «إلغائها» كما اقترحت منذ سنوات في اتفاقية عودة اللاجئين (مارس 2016) وبحسب ما تطالب به أنقرة حالياً، إلى صيغة «التسهيل». حصولها، وهو ما يمثل تغييراً كبيراً بشكل واضح يدعم فكرة حصر المسار الحالي في تطوير العلاقات المتبادلة وتجنب تحقيق تقدمات مهمة تتعلق بمسار العضوية أو تسهيله.
وفي ما يتعلق باللاجئين، وقع الجانبان اتفاقية لتنفيذ مشروع دعم “الدمج الاجتماعي للاجئين السوريين في تركيا”، حيث سيقدم الاتحاد الأوروبي تمويلاً بقيمة 781 مليون دولار ويدير المشروع بالتعاون مع وزارة الأسرة والشؤون الاجتماعية. . التضامن في تركيا.
وبالتالي فإن زيارة مفوض الاتحاد الأوروبي لسياسات التوسع والجوار إلى تركيا ركزت على معنى “الجوار” أكثر من تركيزها على “التوسع” بالنسبة للأخيرة، وربما اقتصرت عليها عمداً، وهو أمر لا بد منه. ويطلب منا عدم إثارة التوقعات حول هذا المسار ونتائجه.
لأن هذه الزيارة تأتي في ظروف مثالية بالنسبة لأنقرة التي تمتلك أوراق قوة متعددة في مواجهة شركائها الغربيين، سواء في الاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو الولايات المتحدة. ورغم ذلك فإن التصريحات مثيرة للدهشة لوضوحها ومباشرتها. وأن إعادة فتح باب مفاوضات العضوية ليس مطروحاً الآن ولا يزال رهناً بشروط معلنة تتعلق بالشأن السياسي الداخلي لتركيا.
ومن ناحية أخرى، فإن العوائق التي مثلت “عائقاً” أمام انضمام تركيا إلى الاتحاد خلال العقود الأخيرة لا تزال قائمة، وعلى وجه الخصوص الرؤية الثقافية والهوية لتركيا من قبل الاتحاد وبعض أعضائه، والقدرة والإمكانات المنتظرة. من أنقرة. نفوذها السياسي والاقتصادي على مؤسسات الاتحاد في حال انضمامها إليه، ومن هنا استخدمت دول عدة -على رأسها اليونان وقبرص (اليونانية) وفرنسا- حق النقض (الفيتو) على انضمامه.
وتدرك أنقرة ذلك كما تدركه بروكسل، لكنها تواصل التعبير عن رغبتها، بل وإصرارها على الحصول على العضوية الكاملة. ولكنها من ناحية أخرى تعلم جيداً أنها لم تعد في حاجة إلى الاتحاد بالدرجة نفسها التي كانت عليها في عام 2005 أو قبله. فلا تركيا اليوم هي تركيا الأمس، ولا الاتحاد الأوروبي هو نفسه اليوم كما كان بالأمس.
ولذلك، فإن مسألة العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي تظل حالياً مستعصية على الحل، ومتروكة للمستقبل البعيد في حالة حدوث تغييرات جذرية في تركيا أو الاتحاد أو كليهما، وهي بالتأكيد احتمالات ضئيلة للغاية. وفي الوقت الحالي، فإن إمكانية إجراء محادثات بين الطرفين تتعلق بالعلاقات الثنائية، خاصة الاقتصادية، ويمكن أيضًا إضافة الأمن. ولعل اتفاقية اللاجئين التي وقعها الطرفان ترتبط بشكل غير مباشر بالتهديدات الأمنية التي تتصورها أوروبا من قضية اللاجئين في المقام الأول.
ولذلك فإن زيارة مفوض سياسة التوسع والجوار في الاتحاد الأوروبي فتحت فعلياً صفحة جديدة في العلاقات بين أنقرة وبروكسل، لكنها صفحة محاطة بمسار محدد وبسقف محدود لا يصل إلى الحدود. إن فكرة عضوية تركيا في الاتحاد ليست حتى قريبة من المناقشة في المرحلة الحالية، مع الاكتفاء بما يمكن تحقيقه. ويحصل الطرفان على منافع على المستوى التجاري والأمني، إضافة إلى أهمية تخفيف حالة التوتر بين الطرفين وبدء مسار إيجابي في العلاقات الثنائية يهدف إلى الحوار وليس التصعيد.